2

نصيحتي للمسلمين جميعًا أن يتقوا الله جل وعلا، وأن يستقبلوا شهرهم العظيم بتوبة صادقة من جميع الذنوب، وأن يتفقهوا في دينهم وأنيتعلموا أحكام صومهم وأحكام قيامهم؛ لقول النبي : من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين[1]، ولقول النبي : إذا دخل رمضان فتحتأبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وسلسلت الشياطين[2] ولقوله : إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم،وصفدت الشياطين، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة[3].

وكان يقول للصحابة: أتاكم شهر رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه؛ فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، فأروا الله منأنفسكم خيرًا؛ فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله[4].

ومعنى: أروا الله من أنفسكم خيرًا: يعني سارعوا إلى الخيرات وبادروا إلى الطاعات وابتعدوا عن السيئات.

ويقول : من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قامليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه[5].

ويقول : يقول الله جل وعلا: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، تركشهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك[6].

ويقول : إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم[7].

ويقول : من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل؛ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه[8] رواه البخاري في الصحيح.

فالوصية لجميع المسلمين أن يتقوا الله وأن يحفظوا صومهم وأن يصونوه من جميع المعاصي، ويشرع لهم الاجتهاد في الخيرات والمسابقةإلى الطاعات من الصدقات والإكثار من قراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار؛ لأن هذا شهر القرآن: شَهْرُ رَمَضَانَالَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185].

فيشرع للمؤمنين الاجتهاد في قراءة القرآن، فيستحب للرجال والنساء الإكثار من قراءة القرآن ليلًا ونهارًا، وكل حرف بحسنة والحسنة بعشرأمثالها كما جاء ذلك عن النبي ﷺ، مع الحذر من جميع السيئات والمعاصي، مع التواصي بالحق والتناصح والأمر بالمعروف والنهي عنالمنكر.

فهو شهر عظيم تضاعف فيه الأعمال، وتعظم فيه السيئات، فالواجب على المؤمن أن يجتهد في أداء ما فرض الله عليه وأن يحذر ما حرم اللهعليه، وأن تكون عنايته في رمضان أكثر وأعظم، كما يشرع له الاجتهاد في أعمال الخير من الصدقات وعيادة المريض واتباع الجنائز وصلةالرحم، وكثرة القراءة وكثرة الذكر والتسبيح والتهليل والاستغفار والدعاء، إلى غير هذا من وجوه الخير، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه.

نسأل الله أن يوفق المسلمين لما يرضيه، ونسأل الله أن يبلغنا وجميع المسلمين صيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا، نسأل الله أن يمنحنا وجميعالمسلمين في كل مكان الفقه في الدين والاستقامة عليه، والسلامة من أسباب غضب الله وعقابه.

كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع ولاة أمر المسلمين وجميع أمراء المسلمين، وأن يهديهم وأن يصلح أحوالهم، وأن يوفقهم لتحكيم شريعة اللهفي جميع أمورهم، في عبادتهم وأعمالهم وجميع شئونهم، نسأل الله أن يوفقهم لذلك، عملًا بقوله جل وعلاوَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَاللّهُ [المائدة:49]، وعملًا بقوله جل وعلا: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، وعملًا بقوله سبحانه: فَلاَوَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء:65]، وعملًا بقولهسبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَبِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59]، وعملًا بقول الله سبحانه: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النور:54]، وقوله سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا [الحشر:7].

هذا هو الواجب على جميع المسلمين وعلى أمرائهم، يجب على أمراء المسلمين وعلى علمائهم وعلى عامتهم أن يتقوا الله وأن ينقادوا لشرعالله، وأن يحكموا شرع الله فيما بينهم؛ لأنه الشرع الذي به الصلاح والهداية والعاقبة الحميدة وبه رضا الله وبه الوصول إلى الحق الذي شرعهله وبه الحذر من الظلم.

نسأل الله للجميع التوفيق والهداية وصلاح النية والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه[9].