2

يقول عبدالرحمن بن المهلب : ” خرجت إلى سوق العبيد لأشترى لنفسى عبدًا يخدمنى ، فوجدت سيدًا يبيع عبدًا وينادى عليه
قائلًا : من يشترى هذا العبد على عيبه ؟

فقلت له : يا سيدى وما العيب الذى فى هذا العبد ؟

فقال : سل العبد يخبرك .

فسألته فقال : عيوبى كثيرة ولا أدرى بأيّها شهّرونى .

فرجعت إلى صاحبه
وقلت : يرحمك الله ألا تخبرنى عن عيب ذلك الغلام ؟

قال : إنه معتوه العقل ينتابه الصرع من حين إلى حين .

فقلت للعبد : أيأتيك هذا كل يوم أم يأتيك كل أسبوع ؟

فاسترجع وبكى وقال : يا سيدى إذا استولى داء المحبة على القلب سرى فى الأعضاء ، وإذا استولى على الجوارح نشر خمار المحبة على سائر البدن فيطيش العقل بذكر الحبيب ، فيحدث فى القلب استغراق وعلى البدن سكون فيراه الجاهل فيظنه عتهًا وجنونًا .

قال عبدالرحمن : فعلمت أن الغلام من أولياء الله الصالحين .

فقلت لسيده : كم ثمن هذا الغلام ؟

فقال : ثمنه مئة درهم .

فقلت له : ولك منى عشرون فوق المئة .

ثم جئت به إلى منزلى ، فكان يصوم النهار ويقوم الليل ، ولا ينقطع لحظة واحدة عن عبادة الله وتلاوة كتاب الله .

وذات ليلة دخلت مخدعه فوجدته يصلى ويبكى حتى سجد فكان يناجى ربه فحفظت من مناجاته هذه الكلمات :

“إلهي أغلقت الملوك أبوابها ، وبابك مفتوح للسائلين .
إلهى غارت النجوم ، ونامت العيون ، وأنت الحيّ القيوم الذى لا تأخذه سنة ولا نوم .
إلهي فُرشت الفرش وخلا كل حبيب بحبيبه ، وأنت حبيب المجتهدين ، وأنيس المستوحشين .
إلهي إن طردتنى عن بابك فإلى باب من ألتجئ ، وإن قطعتني عن جنابك فبجناب من أحتمي .

إلهي إن عذبتنى فإنى مستحق للعذاب والنقم ، وإن عفوت عنى فأنت أهل الجود والكرم ، يا سيدى لك أخلص العارفون ، وبفضلك نجا الصالحون ، وبرحمتك أناب المقصرون ، يا جميل العفو أذقني برد عفوك ، وحلاوة مغفرتك ، إن لم أكن أهلًا لذلك فأنت أهل لذلك ، وأنت أهل التقوى وأهل المغفرة .

فلما أصبحت قلت له :
يا أخى كيف كان نومك الليلة ؟

فقال : كيف ينام من يخاف النار والعرض على الواحد القهار . ثم بكى .

فقلت له : اذهب فأنت حر لوجه الله .

فلم يفرح بذلك . وقال : يا سيدي كان لي أجران :
أجر العبودية و أجر الخدمة ، فحرمتني من أحدهما ، أعتقَ الله وجهك من حرّ جهنم .

فدفعت إليه نفقة فأبى أن يأخذ منها شيئًا ، وقال : إن من تكفل برزقي حي لا يموت ، ثم غاب عني .

فكنت كلما ذكرت كلامه أخذني البكاء ، فسألت الله أن يحشرني فى زمرة عباده الصالحين المحبين لقربه ، والساعين ليلهم ونهارهم إلى طلب فضله ورضاه .

اللهم احشرنا مع الصالحين .