2

بسم الله الرحمن الرحيم 

(( فائدةٌ علميةٌ لطيفةٌ في: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ))
( ما الحكمة مِن استحباب الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم يومَ الجمعة؟ )
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ، وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أمَّا بعدُ:
– مِن المعلوم أنه مِن السُّنة الإكثار مِن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم يومَ الجمعة وليلتَها _ باتفاق الفقهاء _كما دلت على ذلك أحاديثُ كثيرةٌ، منها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( إنَّ من أفضلِ أيَّامِكُم يومَ الجمعةِ؛ فيهِ خُلِقَ آدمُ، وفيهِ قُبِضَ، وفيهِ النَّفخةُ، وفيهِ الصَّعقةُ؛ فأكْثِروا عليَّ مِنَ الصَّلاةِ فيهِ؛ فإنَّ صلاتَكُم معروضةٌ عليَّ…. )) ([1]).
(( أكثروا مِن الصلاة عليَّ يوم الجمعة؛ فإنَّ صلاة أمتى تُعرض عليَّ كل يومِ جمعةٍ، فمَن كان أكثرهم عليَّ كان أقربهم منى منزلةً )) ([2]).
وغيرها مِن الأحاديث.
والسؤال: ولماذا يوم الجمعة؟
وكان هذا السؤال يأتى على خاطري أحيانًا، فتدبرتُ أمرى وتـفـكـرتُ، وتبيَّن لى بعضُ الحِكَم، ومنها:
(( الأول )):
أنَّ النبى صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء، وهو سيد الأنام _ بالإجماع _ ويومُ الجمعة هو أفضل الأيام كما ورد فى الحديث: ( إنَّ أفضل أيامكم يوم الجمعة )،
فناسب الإكثار مِن الصلاة على أفضل نبىٍّ فى أفضل يومٍ ([3]).
– وهذا يدل على عِظَم أجر الصلاة على النبى صلى لله عليه وسلم يوم الجمعة
(( لأن اجتماع الفضل يدل على عِظَم الأجر )).
(( الثانى )):
ولأن يوم الجمعة فيه ساعةُ إجابةٍ كما فى الحديث:
أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذَكَرَ يَومَ الجُمُعَةِ، فَقالَ:
(( فيه سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وهو قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شيئًا، إلَّا أعْطَاهُ إيَّاهُ -وأَشَارَ بيَدِهِ يُقَلِّلُهَا- )) ([4]).
– ومِن أهم أسباب إجابة الدعاء: الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ([5]).
كما في الحديث:
سمعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رجلًا يَدْعُو في صلاتِهِ، فلمْ يُصَلِّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال النبِيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:
(( عَجِلَ هذا، ثُمَّ دعاهُ، فقال لهُ أوْ لغيرِهِ: إذا صلَّى أحدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللهِ والثَّناءِ عليهِ، ثُمَّ لَيُصَلِّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ثُمَّ لَيَدْعُ بَعْدُ بِما شاءَ )) ([6]).
وقال عمر رضى الله عنه: (( إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) ([7]).
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((  كُلُّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ عَنِ السَّمَاءِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) ([8]).
فلعله شُرِعَ في يوم الجمعة الإكثارُ مِن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم؛ ليكون أَحْرَى فى إجابة الدعاء فى هذه الساعة _ ساعة الإجابة _.

(( الثالث )):
ولأنه اجتمعت فى يوم الجمعة أفضلُ الصلوات المفروضة، وهى: فجر الجمعة وصلاة الجمعة كما ورد فى الحديث:
(( أفضلُ الصلواتِ عندَ اللهِ صلاةُ الصبحِ يومَ الجمعةِ في جماعةٍ  )) ([9]).
وأما فضْل صلاة الجمعة: فهو معلومٌ لا يحتاج إلى بيانٍ.
فلما اجتمعت فى يوم الجمعة أفضلُ الصلوات – وهى ثناءٌ على الله – ناسب أنْ يجتمع فيه أفضلُ الثناء على أفضل البشر.
فاجتمع فى هذا اليوم ( أفضل ثناءٍ على الله )، و( أفضل ثناءٍ على رسوله ).
(( الرابع )):
ولأنه فى يوم الجمعة يجتمع الناس فى عبادةٍ عظيمةٍ، وهى ( صلاة الجمعة )
بخلاف تفرُّقهم فى سائر الأيام لانشغالهم، فناسب فى يوم الاجتماع أنْ يكثروا مِن الصلاة على مَن جعله الله سببًا لاجتماعهم وتأليف قلوبهم، صلوات ربي وسلامه عليه.

(( الخامس )):
ولأن النبى صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين والمرسلين، ويوم الجمعة هو ختام أيام الأسبوع _ على قول جماعةٍ مِن العلماء، والمسألة فيها خلافٌ معروفٌ _.
فناسب فى ختام أيام الأسبوع الصلاةُ على خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم.
ولِنختم الأسبوع بعبادةٍ جليلةٍ عظيمةٍ (والأعمال بالخواتيم).
(( السادس )):
ولأن يوم الجمعة تقوم فيه القيامة كما فى الحديث:
(( ….ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا في يَومِ الجُمُعَةِ )) ([10]).
ولما كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم صاحبَ الشفاعة العظمى يوم القيامة الذى هو يوم الجمعة، فناسبَ الإكثار مِن الصلاة والسلام عليه في هذا اليوم الذى يُذكِّرنا بشفاعته يوم القيامة.
(( السابع )):
أنَّ يوم الجمعة جعل الله فيه فضائلَ وخصائصَ كثيرةً لهذه الأُمَّة: كساعة الإجابة ([11])
وصلاة الجمعة، وهو خير أيامهم ([12])، وفيه أفضل صلواتهم ([13])، وهو يوم عيدٍ لهم ([14])، وكفارةٌ لهم ([15])، وأعظمُ كرامةٍ تحصل لهم فإنما تحصل لهم يوم الجمعة؛ فإنَّ فيه بَعْثَهُم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة، وهذا كله عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يديه،
فمِن شُكْرِه وأداء القليل مِن حَقِّه أنْ نكثر مِن الصلاة والسلام عليه في هذا
اليوم ([16]).
هذا ما حضرنى في الباب، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان، والحمد لله رب العالمين.
والله أعلم ..
وبالله التوفيق ..