2

بقلم محمد بن سعد العوشن

حين تحدّث الفرنسي إيرنست أنطوان باسم التجار الأوروبيين في قمة الاتحاد الأوروبي عام 2006 بالإنجليزية، قاطعه الرئيس الفرنسي جاك شيراك بعد أول جملة قائلاً: (لماذا تتكلم بالإنجليزية؟) فردّ عليه قائلاً : (لأنها لغة التجارة)، فخرج شيراك مع وزير خارجيته وماليته من المؤتمر مغضبين، فلما سأله الصحفيون عن سبب خروجه قال لهم : (إنما راعني أن أرى فرنسيا يتكلم بغير الفرنسية، فخرجت كي لا أستمع الى من لا يحترم لغته).
وفي السياق ذاته نص القانون الفرنسي الصادر عام 1794م على أن “اللغة الفرنسية” هي “الأمة الفرنسية”، وأنشأت فرنسا لجنة عليها مهمتها “تطهير” اللغة الفرنسية من المفردات الدخيلة، والرقابة على الإعلام والجهات المختلفة للتأكد من التزامها بالفرنسية بشكل دقيق.
وأصدر مجلس الدوما الروسي قراراً يعتبر إتقان “اللغة الروسية” شرطاً للمواطنة، تخوفاً من تأثر الروس باللغات العالمية، وحرصت الصين، واليابان على الاحتفاظ بلغاتهم وعدم التنازل عنها رغم كل الصعوبات التي تكتنفها..
وفي هذا الوقت الذي تتنادى فيه الأمم والشعوب للحفاظ على لغاتها، فإن فئاماً غير قليلة من مجتمعنا العربي الأصيل بدأت في التخلي عن لغتها العربية لصالح اللغة الإنجليزية، ولم يعد غريباً أن تكون اللافتات، والمفردات، والعروض التقديمية، والملتقيات، والمؤتمرات، ومعرّفات شبكات التواصل، والأفلام التعريفية، والمواقع الإلكترونية، والنشرات والقوائم، وبطاقات العمل، وسواها باللغة الإنجليزية مع أنها تقدّم لجمهور “العرب” في مجتمع “العروبة”، ورغم كل ماتتمتع به لغتنا العربية من سعة المفردات، والثراء بالمعاني، وجمال الجرس وعذوبة الألفاظ، والأصالة والعراقة التي لا تجدها في لغات العالم أجمع، غير أن عقدة “النقص” الملازمة تجعل المرء يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويقبل بترك اللغة العربية للتحوّل إلى غيرها!
وبات مطلوباً من طالب الدراسات العليا – حتى في التخصصات العربية والإسلامية – أن يحصل على درجات عليا في الاختبارات القياسية للغة الإنجليزية، في الوقت الذي لا يتم فيه السؤال عن إتقان الطالب للغته الأم!
ومامن شك أن صيانة اللغة العربية، بوصفها أحد معالم الهوية المجتمعية، والعناية بالحفاظ عليها، والالتزام بها، والانضباط وفقاً لأسسها الأصيلة – كونها لغة القرآن والسنة – أمر في غاية الأهمية، وهو فرض كفاية يجب على المجتمع أن يتنادى إليه، وأن الأمر يستدعي أن ينتدب أفراد منّا أنفسهم لهذه المهمة النبيلة، وأن نكون أحرص من بقية الناطقين باللغات المختلفة على التمسك بها والدفاع عنها، و “الاحتساب” في ذلك، وأن نسعى لإنشاء المجالس واللجان الحكومية التي تشرّع وتضبط وتحاسب، وأن نبادر إلى إيجاد جهات غير ربحية، ومنظمات خيرية، وفرق تطوعية، تجعل رسالتها الوقوف على كل مخالفة، وإعلانها، وتنبيه المخالفين، بل والرفع بهم للجهات المعنية، وأن يتم تفعيل المجتمع برمّته للتطوع في هذه المهمة، فيغردون ويرسلون ويتواصلون حينما يرون مظهراً من مظاهر تهميش “العربية” فيكون الضغط المجتمعي بالإضافة إلى الضغط التشريعي والحكومي عاملان مهمان في الحفاظ على هوية المجتمع ووقايتها من الذوبان في الآخر.
دمتم بخير،،،